الجمعة، 8 أغسطس 2014

حاكم مصر.. الذي لم يُهزم وأرعب أوروبا والدولة العثمانية


إبراهيم بن محمد علي 


المصرى اليوم  كتب: بسام رمضان

أطلق عليه المؤرخون لقب «القائد الذي لم يهزم في أي معركة»، أنه نجل محمد على باشا، مؤسس مصر الحديثة، إبراهيم، ثاني حكام مصر من الأسرة العلوية.
ولد إبراهيم باشا عام 1789م في قولة، اقليم روملي على حدود مقدونيا وتراقية في اليونان، تعلم إبراهيم في مصر، وعاش في وسط عربي بحت، وقرأ تاريخ العرب وثقافتهم، مع ما تلقنه من مبادئ العلوم والفنون.
وتصفه موسوعة المعرفة بأنه «كان عضد أبيه القوي وساعده الأشد في جميع مشروعاته، كان باسلا مقداما في الحرب، لا يتهيب الموت، وقائدا محنكا لا تفوته صغيرة ولا كبيرة من فنون الحرب».
وتوضح: «قيل عنه: ذا هيبة ويقظة دائمة، حاد المزاج، سريع الغضب، طيب القلب، عادلا في أحكامه، ويعرف الفارسية والعربية والتركية، وله إطلاع واسع في تاريخ البلاد الشرقية».
تاريخه العسكري
يعتبر إبراهيم من أفضل قواد الجيوش في القرن التاسع عشر، وحارب وانتصر في العربية والسودان واليونان وتركيا وسوريا وفلسطين، ولم يهزم في أي معركة، وقام بتدريب الجيش في مصر طبقاً للنظم الأوربية الحديثة أثناء حكمة عدة سنين في سوريا، وقاد الجيش المصرى الذي قمع ثوار اليونان الخارجين على تركيا، وقاد جيشاً مصريا فتح فلسطين والشام وعبر جبال طوروس 1832-1833، وبين سنة 1816 م- 1818 م، قاد جيش مصر ضد تمرد قبائل الوهابيين في الجزيرة العربية، وحطمهم كقوة سياسية، وفيما بين سنة 1821- 1822 ذهب إلى السودان ليقمع تمرد.
وتضيف موسوعة المعرفة: «كان إبراهيم باشا عربي اللغة والعاطفة، وإن لم يكن عربي المولد، وكان ينوه بفضل العرب على المدنيّة والتاريخ، يقول معاصره البارون دوبوا لوكومت De Bois Le Comte إنه كان يجاهر بإحياء القومية العربية ويعد نفسه عربياً، وسئل كيف يطعن في الأتراك وهو منهم فأجاب: (أنا لست تركياً فإني جئت إلى مصر صبياً، ومن ذلك الحين مصرتني شمسها وغيرت من دمي وجعلته دماً عربياً)، وكتب إلى أبيه في أثناء حصار عكا حين بلغه أن السلطان حشد الجيوش لدفع الجيش المصري عن أسوارها «ومهما بحثوا فلا يمكنهم أن يعثروا على مثل جنود العرب الذين أقودهم أنا».
ويقول أحمد حسين، في موسوعة «تاريخ مصر»: «ظهر إبراهيم باشا على الساحة عندما أوفده والده محمد على باشا إلى الحجاز بعد وفاة أخيه (طوسون) ونجح إبراهيم باشا فيما لم ينجح فيه أخوه فاستأنف الحرب ضد الوهابيين، ودخل نجد وعنيسة والخبراء والشقراء واستولى على عاصمتهم الدرعية سنة 1818 م، وسلم عبدالله بن سعود نفسه إلى إبراهيم باشا الذي أرسله إلى مصر فأحسن محمد على استقباله وأكرمه غاية الكرم ثم بعث به إلى اسطنبول ولم يكن السلطان محمود، الخليفة العثماني كريما معه فأمر بإعدامه».
ويتابع «حسين»: «استمر إبراهيم باشا في فتوحاته فاستولى على المواقع الهامة في طول شبه الجزيرة العربية وعرضها إلى أن وصل للخليج العربي، وفي عام 1824م عمت الثورة بلاد اليونان خاصة في شبه جزيرة المورة، وأعلن اليونانيون استقلالهم فالتجأ السلطان محمود إلى محمد على باشا وولاه بلاد المورة فأوفد ابنه إبراهيم باشا على رأس جيش من 17 ألف مقاتل و700 فارس مجهزين بالمدافع والبنادق والمدفعيات، وأذهل إبراهيم باشا أوروبا فقام في مدة قصيرة بما عجزت عنه الدولة العثمانية في أربع سنوات فاستولى على مراكز الثوار الحصينة وعلى (تربيولننز)عاصمة المورة في يونيه 1825م بعد الاستيلاء على مدينة (كلاماتا) وأعظم المواني (نفارين)، ولم يبقى سوى (نوبلي) عاصمتهم فلما بدأ حصارها استغاث به قائد الجيوش التركية لفتح مدينة (ميسولونجي) التي حاصرها لمدة عام كامل فهزمهم واستولى على المدينة الباسلة التي فضل أهلها الموت عن الاستسلام».
ويشير إلى أنه «فجرت هزيمة الثوار غضب أوروبا التي كانت تدعمهم ضد العثمانيين فتحالفت روسيا وإنجلترا وفرنسا في يونيه 1827م، وهزمت أساطيلهم الأسطولين المصري والعثماني بميناء (نفارين)، ورغم رفض إبراهيم باشا وقع محمد على اتفاقية مع الدول الثلاث على سحب الجيش المصري من اليونان مقابل إعادة باقي سفن أسطوله وأسراه وإطلاق سراح الأسرى اليونانيين ألا أنه نفذ أمر أبيه فقام بالجلاء عنها في أكتوبر 1828م وأثار ذلك غضب السلطان محمود الذي لم يستطع وحده مواجهة الجيش الروسي المؤيد للثوار اليونانيين».
ويتابع «حسين» أنه «حدث أن ساءت العلاقات بين محمد على وعبدالله باشا الجزار (والي عكا) فسير إليه محمد على جيشا بقيادة يكن باشا سنة 1831م من 30 ألف مقاتل ولحق بالجيش إبراهيم باشا قائدا للحملة ورئيس أركانه (سليمان باشا الفرنساوي)، فاستولى على غزة ويافا وحيفا بسلام واستولى على عكا التي عجز نابليون عن دخولها واستقبله الشعب السوري بالترحاب ووجده خير مخلص من ظلم الأتراك وهزم جيشا عثمانيا قوامه 20 ألف بقيادة (والي طرابلس) في سهل الزراعة جنوب (حمص) في إبريل 1832م واستولى على حمص بعد أن هزم (السير عسكر حسين باشا) أكفأ قواد تركيا واستولى على دمشق وحماه وحلب شمال سوريا وتحصن الجيش العثماني بـ(مضيق بيلان) الجبل الوعر جنوب الأسكندرونة وبمواقعه الجبلية فخاض معه معركة رهيبة استمرت 3 ساعات واستولى على الأسكندرونة وأنطاكية واللاذقية وعينتاب وقنصرية، وإثر الهزائم المتوالية ألف السلطان العثماني جيشا جديدا بقيادة الصدر الأعظم محمد باشا رشيد أعظم من بقي من القواد الأتراك وبلغ الجيش 53 ألف مقاتل».
وتابع: «تمت المعركة المعروفة باسم (قونية) بعد سبعة ساعات بهزيمة ساحقة للجيش العثماني فاقت هزائمه السابقة وأسر محمد باشا رشيد نفسه ولم يبق للسلطان جيش يدافع به عن أسطنبول عاصمة ملكه، واستولى إبراهيم باشا على (كوتاهية) فاستنجد السلطان العثماني بـأعـدائـه الروس فأرسلوا 15 ألف جندي لحماية أسطنبول وضغطوا على محمد على لإيقاف حربه وإبرام اتفاقية (كوتاهية) سنة 1833م (خوفا من إحلال دولة شابة محل الدولة العثمانية المريضة)».
أوضح «حسين»: «أبرم السلطان العثماني معاهدة دفاعية هجومية مع أعدائه الروس فلم يكن صلح كوتاهية سوى فرصة لإعادة تجهيز الجيش العثماني وبادر السلطان بتدريب جنوده على الأنظمة الحديثة والأسلحة الحديثة تحت رعاية وإشراف الضباط الألمان (أعظم العسكريين في أوروبا) وبعث في يونيه 1839 بجيش تركي نظامي قوامه 40 ألف جندي تسانده قوة مماثلة من الجنود غير النظاميين تحصنوا بقلعة حصينة بقرية (نزيب(».
وتابع: «وهاجم إبراهيم باشا الجيش العثماني في موقعة (نزيب) أو كما يطلق عليها (نصيبين) وانتهت بهزيمة نكراء فاقت كل هزائم الأتراك السابقة وتوفي السلطان العثماني بعد تجرعه لنبأ الكارثة وأبحر الأسطول العثماني لينضم للأسطول المصري، وهاجت إنجلترا واجتمعت إنجلترا وروسيا والنمسا وفرنسا وبروسيا وتم الإتفاق على معاهدة لندن 1840م في غيبة فرنسا وأملوا شروطهم على محمد على بموافقة الباب العالي بالإنسحاب، وجاءت الهزيمة من الداخل وليست من الخارج ألا وهي ثورة الشعب السوري واللبناني في وقت متزامن ضد حكم محمد على وبتأييد من أساطيل إنجلترا، وأصدر محمد على أوامره إلى إبراهيم باشا بإخلاء سوريه والعودة لمصر، وطويت الصفحة العسكرية لهذا القائد العظيم».
حكمه لمصر
ويشير «حسين»، في موسوعة «تاريخ مصر» إلى أنه «في عام 1847 م قام إبراهيم باشا برحلة لأوروبا فأستقبل استقبالا حافلا في إيطاليا وباريس وإنجلترا باعتباره القائد العسكري الذي لم يهزم في أي موقعة حربية خاضها وأحيط بمظاهر الإجلال من الملوك والشعوب».
وعن حكمه لمصر، يوضح «حسين» «فنظرا لمرض محمد على في عام 1948م صدر فرمان من كبار العلماء والمشايخ بتعيين إبراهيم باشا والي على مصر ولكن القدر لم يمهله ليترك بصمته عل ولاية مصر أو لإقامة الوحدة العربية التي سعى إليها فوافته المنية في 15 نوفمبر سنة 1848م وعمره لم يتجاوز الستين سنة ولم تزد فترة حكمه عن سبعة أشهر، وظل تاريخ إبراهيم باشا هو تاريخ مصر العسكري في هذه الفترة».
قالوا عنه
عبدالرزاق السنهوري، وزير المعارف الأسبق، في كتاب «إبراهيم باشا»: «جاء إبراهيم في عصر كانت الأمة العربية فيه قد نسيت نفسها، فانحلت روابطها، واندكت صروح مجدها، وعثرت ولج بها العثار، فقاد جيشا مصريا عربيا إلى موطن العزة والمجد، وحرر البلاد العربية من نير شديد الوطأة، وأيقظ الوعي العربي من سبات عميق، وأطلق الروح العربية من عقالها التي رسفت فيه قرونا، ولولا تألب الدول الغربية بالأمس، كما هي تتألب اليوم، لأعاد للعرب مجدهم القديم، ولجدد الإمبراطورية العربية شامخة المجد، عالية الأركان».
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق